بسم الله الرحمن الرحيم
مقتطفات شعرية للامام علي ابن ابي طالب:
للإمام علي ابن أبي طالب كرم اللّه وجهه شخصية فريدة اهتمت بها أقلام الرواة والمؤرخين , واهتدى بأعمالها وأقوالها الزهاد والمتأدبون. ولم تكن الآراء والنظريات
المتباينة الا لتزيد الامام عليه السلام شموخا وسموا .
يعد كتابه(نهج البلاغة) من أهم ما تركه الامام علي من آثار . وقد ظل الناس يتداولون خطبه وأقواله ومآثره , حتى قام الشريف الرضي فجمع كل ما نقل عن الامام علي كرم اللّه وجهه من خطب ومواعظ ورسائل فضمـّنها كتابا واحدا سمّاه(نهج البلاغة) .
وقد أولع الكثير من الأدباء بحفظ هذا الكتاب والتفقـّه بمعانيه .
ولم يكن الامام عليه السلام شاعرا ومصورا فحسب , بل هو حكيم يفسح في المجال لدور العقل في قوله وعمله, فاذا هاجت عاطفة الحزن وخشي عليها من التهور ظهر العقل آمرا بكلامه , ومن مميزات كلامه كرم اللّه وجهه البلاغة والإيجاز, وسرعةالخاطرة, ويظهر بعض من ذلك في جوابه لرجل أفرط في الثناء عليه, بقوله (أنا دون ما تقول وفوق ما في نفسك) !
وقد كان يصوغ الشعر مرتجلا في أكثره , كما كان يرتجل الحكم والخطب , فهذه حكمه يؤتيها الله جلّ وعلا من يشاء من خلقه .
وما نسب الى الامام من الشعر اتخذ منحى " دينيا وخلقيا , لذلك فقد شاع على الألسنة وذاع في مجالس الوعظ , وهو في جميع الأحوال بعيد عن التعقيد اللفظي والتقعر المعنوي , اذ هو في متناول كل قارىء(فهما وحفظا) !
وهذه بعض المقتطفات الشعرية من ديوانه : -
" الاستقامة "
تنزّه عن مجالسة اللئـام= وألمم بالكرام بني الكرام ِ
ولاتك واثقا بالدهر يوما=فان الدهر منحلُّ النظام ِ
ولاتحسد على المعروف قومـا=وكن منهم تنل دار السلام ِ
وثق بالله ربك ذي المعالــي= وذي الآلاء والنعم الجسام ِ
وكن للعلم ذا طلب ٍ وبحث ٍ= وناقش في الحلال وفي الحرام ِ
وبالعوراء لا تنطق ولكـن=بما يرضي الاله من الكلام ِ
وان خان الصديق فلا تخنـه= ودم بالحفظ منه وبالذمام ِ
ولا تحمل على الاخوان ضغنـا=وخذ بالصفح تنج من الأثام ِ
" الزوال "
سل الأيام عن أمم ٍ تقضــت= ستخبرك المعالم والرســوم ُ
تروم الخلد في دار المنايـا= فكم قد رام مثلك ما تــرومُ
تنام ولم تنم عنك المنايـا= تنبه للمنية يا نؤومُ
لهوت عن الفناء وأنت تفــنى=فما شيءٌ من الدنيا يدوم ُ
تموت غدا وأنت قرير عين ٍ= من العضلات في لجج ٍ تعومُ
" الظلم والدين "
أما والله ان الظلم شـؤم= ولا زال المسيء هو الظلومُ
الى الديان يوم الدين نمضي= وعند الله تجتمع الخصومُ
ستعلم في الحساب اذا التقينا= غدا عند المليك من الغشوم
ستنقطع اللّذاذة عن أناس ٍ=من الدنيا وتنقطع الهمــوم ُ
لأمر ٍ ما تصرفت الليالي= لأمر ٍ ما تحركت النجوم ُ
" صبر الرجال "
أتصبر للبلوى عزاء ً وحسبة ً= فتؤجر أم تسلو سلوّا البهائم ِ
خلقنا رجالا للتـّجلّد والأسى=وتلك الغواني للبكا والمآتم ِ
" يوم بدر "
قد عرف الحرب العوان أنّي=بازل عامين حديث سن ِّ
سنحنح الليل الطويل جـني=أستقبل الحرب بكل فن ِّ
معي سلاحي ومعي مجنـي=وصارم يذهب كل ضغن ٍ
أقصي به كل العداة عنـّي=لمثل هذا ولدتني أمي
" سكون الرياح "
إذا هبـّت رياحك فاغتنمها =فعقبى كل خافقة ٍ سكون ُ
ولاتغفل عن الاحسان فيها =فما تدري السكون متى يكونُ
" الزمان "
هذا زمانٌ ليس إخوانه=يا أيها المرء بإخوان ِ
اخوانه كلهم ظالــمٌ=لهم لسانان ووجهان ِ
يلقاك بالبشر وفي قلبـه=داء ٌ يواريه بكتمان ِ
حتى اذا ما غبت عن عينيــه=رماك بالزور و بهتان ِ
هذا زمانٌ هكذا أهله=بالود لم يصدقك إثنان ِ
يا أيها الـمرء فكن مفردا=دهرك لا تأنس بإنسان ِ
وجانب الناس وكن حافظــا=نفسك في بيتٍ وحيطان ِ
" مكارم الأخلاق "
ان المكارم أخلاق ٌ مطهرة ٌ=فالدين أولها والعقل ثانيها
والعلم ثالثها والحلم رابعها=والجود خامسها والفضل ساديها
والبر سابعها والصبر ثامنــها=والشكر تاسعها واللين باقيها
والنفس تعلم أني لا أصادقــها=لست أرشد الاّ حين أعصيها
" تربة النبي(صلى الله ةعليه وسلم) "
ماذا على من شم تربة أحمـدٍ=أن لا يشم مدى الزمان غواليا
صبّت علي ّمصائب ٌ لو أنـها=صبت على الأيام عدن لياليــا
" البكاء على النبي( صلى الله عليه وسلم) "
ألا طرق الناعي بليلٍ فراعني=وأرّ قني لما استهل مناديـا
فقلت له لما رأيت الذي أتــى=أغير رسول الله أصبحت ناعيا
فوالله لا أنساك أحمد ما مشـت=بي العيش في أرضٍ وجاوزت واديا
وكنت متى أهبط من الأرض تلعةً=أجد أثرا منه جديدا وعافيا
جوادٌ تشظى الخيل عنه كأنمـا =يرين به ليثا عليهن ضاريـا
من الأسد قد أحمى العرين مهابةً=تفادى سباع الأرض منه تفاديــا
"الإباء "
اذا أظمأتك أكف الرجــال=كفتك القناعة شبعا وريّــا
فكن رجلا رجله في الــثرى=وهامة همـّته في الثريّـا
أبيـّا لنائل ٍ ذي ثروة ٍ =تراه لما في يديه أبـيـّا
فان إراقة ماء الحيـاة=دون إراقة ماء المحيّا